إن تقنية الهواء النشط Active Air هي آخر ما توصلت إليه صناعة الأحذية البريطانية في مصانع كلاركس للأحذية Clarks و متاجرها الشهيرة التي يزيد عمرها على القرن و المنتشرة في جميع أنحاء العالم. إن هذا التطور لا يقتصر على توفير حذاء مريح أنيق لكافة أشكال و قياسات الأقدام بل يتعدى ذلك الى تزويد الحذاء بمادة تمكن القدم من التنفس و تمنع التعرق و تركز الرائحة و تزيد من ليونة الحذاء لتسهيل الحركة
أي حضارة هذه التي تحرص على أقدام شعوبها؟ و إذا كان هذا مستوى العناية بصحة القدم فكيف يكون العناية بباقي الجسد؟ و هل تحرص البلدان الأوروبية على مواطنيها من أول الرأس الى أخمص القدمين؟
إن هذه التقنية ليست صرعة أخرى في باب الموضة و التنافس التجاري في الإضافات و التحسينات فقط، فهذه شعوب تعمل و تجد و تكدح لساعات طوال فلا بد من توفير ما يسهل مهمتها و لو كان شيئا بسيطا كحذاء مريح يريح جسد المواطن من الآم الظهر و القدمين حتى يرتاح عقله و تزيد انتاجيته
و حتى أسعار هذه الأحذية تحمل في طياتها رسائل مهمة عن الحياة و مستوى المعيشة الأوروبية، ففي أول الموسم تنزل الى السوق بأسعار مقبولة بمعدل 60 جنيه مع مراعاة نزول السعر الى أكثر من النصف في فترات التنزيلات الشتوية و الصيفية و في المناسبات المختلفة حتى يستطيع جميع المواطنين باختلاف مستوى دخلهم اقتناء مثل هذه الأحذية المريحة، فالرفاهية ليست حكرا على الأغنياء بل يمكن للجميع أن يذوقوا طعمها
يبدو أننا يجب أن ننظر الى الأحذية بشكل آخر و إكبار أكبر يتعدى كونها نعالا يلبس في القدم لأغراض الحركة الخارجية، و كمكمل للملابس و الأناقة، فالحذاء في عصرنا اكتسب معان ٍ اجتماعية و ثقافية و سياسية، ففي آخر الأخبار عن الأحذية ذكرت وكالات الأنباء أنه تم عرض حذاء رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشينكو التي خرجت من السباق الرئاسي في متحف العاصمة، و هو حذاء برتقالي اللون ارتدته أول مرة عندما ناشدت الشعب الأوكراني مساندة قائد الثورة البرتقالية فيكتور يوشينكو في احتلال القصر الرئاسي، فأصبح الحذاء من المقتنيات العامة و توثيقا لمرحلة من تاريخ أوكرانيا السياسي، و هو حذاء أيضا داس به الجنرال غورو على قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق بعد احتلالها قائلا "لقد عدنا يا صلاح الدين"، و هو حذاء داس به الجنرال اللنبي أرض القدس قائلا "الآن انتهت الحروب الصليبية"، و هو حذاء ضرب به شرذمة رعاع تمثال صدام بعد إسقاطه و سقوط بغداد و تمرجلوا عليه فيما لم يجرؤوا على قول الحق في وجهه عندما كان في عنفوان سلطته!
بالمقارنة يا ترى هل شعوبنا لابسة أم ملبوسة؟
هل تتنفس الشعوب هواء الحياة الكريمة حتى نقلق على تنفس أقدامها؟
ما نوعية الهواء و الأنفاس في المخيمات و الخيام و العشوائيات و مساكن المقابر؟
هل تعمل الرئة بشكل مختلف بين الأغنياء و الفقراء فيكون نفس الأغنياء من النخب الأول و الخمسة نجوم في النقاوة و القوة و الانسيابية؟
ما دور الشعوب تجاه بعضهم البعض و إذا غابت السلطة العليا فهل يغيب التضامن الاجتماعي؟ في الزمن الجميل يروى ان صحابيان كانا يسيران في طريق فانقطع نعل أحدهما فخلعه، فخلع اخوه نعله و سار معه على الرمضاء الحارقة حافيا فاستوقفه اخوه فساله: لم فعلت هكذا؟ أجابه لأعينك على الحفاء
لقد ظننا أن حذاء الزيدي الذي طال أكبر الرؤوس في حينه سيمثل مرحلة انعتاق للشعوب العربية من الرؤوس الصغيرة التي وضعتنا تحت أحذيتها سنينا و سنينا بين الأصل و الصورة و الأب و الورثة، و لكن يبدو أن سوء الحال لا يرضى الفكاك عنا كحذاء أبي القاسم الطنبوري في القصة الشعبية الذي جلب له المشاكل و لم يستطع الخلاص منه
عندما سأل الضابط سرحان عبد البصير في مسرحية شاهد ما شافش حاجة عن سبب بكاءه الذي هرعت إاليه الشرطة و الاسعاف و المطافئ قال" أتاري الجزمة حازقة (صغيرة) عرجلي"
يبدو إذن أن الأحذية هي السبب في وراء كل مصائبنا و مدامعنا و يجب أن نعيد التفكير فيما نلبس و من يلبسنا!
قال جون و ليامز "ما فائدة الدنيا الواسعة إذا كان حذاؤك ضيقا؟" د.ديمة طارق طهبوب