بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً وَآتُوا اليَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً
أمر اللّه تعالى خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من {نفس واحدة} وهي آدم عليه السلام {وخلق منها زوجها} وهي حواء عليها السلام، خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليه وأنست إليه. وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل، وخلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم ""رواه ابن أبي حاتم عن قتادة عن ابن عباس""وفي الحديث الصحيح: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وأن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج) وقوله: {وبث منهما رجالا كثيراً ونساء} أي وذرأ منهما: أي من آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساء، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف اصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر، ثم قال تعالى: {واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام} أي واتقوا اللّه بطاعتكم إياه، قال مجاهد والحسن: {الذي تساءلون به} أي كما يقال أسألك باللّه وبالرحم، وقال الضحاك: واتقوا اللّه الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها قاله ابن عباس وعكرمة. وقرأ بعضهم: {والأرحام} بالخفض عطفاً على الضمير في به أي تساءلون باللّه وبالأرحام كما قال مجاهد وغيره.
وقوله: {إن اللّه كان عليكم رقيبا} أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم، كما قال: {واللّه على كل شيء شهيد}؛ وفي الحديث الصحيح: (اعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب، ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة، ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على ضعفائهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه البجلي: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر - وهم مجتابو النِّمار أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر، فقال في خطبته: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} حتى ختم الآية، ثم قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد} ثم حضهم على الصدقة، فقال: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره) ""هو جزء من حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة""وذكر تمام الحديث.